يرى سيمون تيسدال، المعلّق المختص بالشؤون الخارجية، أن إدانة المحكمة الجنائية الدولية لقائد ميليشيا الجنجويد علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف بعلي كوشيب، تشكّل استثناءً نادرًا في زمن يتسع فيه الإفلات الرسمي من العقاب. ويؤكد أن الحكم بالسجن عشرين عامًا على كوشيب عن 27 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور يسلّط ضوءًا خافتًا على عدالة دولية تكافح موجة متصاعدة من التسيّب القانوني.

 

 تشير صحيفة الجارديان إلى أن هذه الإدانة الأولى عن فظائع دارفور لا تغيّر حقيقة أوسع: قادة متهمون بجرائم جسيمة ما زالوا بعيدين عن قفص الاتهام، بينما تعود دارفور اليوم مسرحًا لعنف جديد في ظل الحرب الأهلية السودانية.

 

دارفور.. حكم واحد وسط إفلات واسع

 

أدان القضاء الدولي كوشيب رغم تورط مئات المسلحين في جرائم الإبادة بدارفور بين عامي 2003 و2005. ومع ذلك، يفلت آخرون من العدالة. يلاحق الادعاء الدولي عمر البشير بتهم الإبادة وجرائم الحرب، ويواجه أحمد هارون، الوزير السابق، اتهامات مماثلة، لكن كليهما يراوغ الاعتقال. ويستعيد الكاتب مقابلات سابقة مع الرجلين، حيث أنكر البشير الاتهامات وسخر من فكرة الإبادة، بينما أعلن هارون بلا مواربة أنه “لا يندم” على أفعال اعتبرها “واجبًا”.

 

تكشف هذه المواقف، وفق التحليل، جوهر المشكلة المعاصرة: ثقة راسخة لدى أصحاب السلطة بأن العدالة الدولية لن تطالهم. لا تختلف هذه القناعة كثيرًا عن قناعات قادة معاصرين آخرين يواجهون اتهامات دولية ثم يواصلون عملهم بلا اكتراث.

 

الإفلات كسياسة: نتنياهو وواشنطن وموسكو

 

يوسّع الكاتب الدائرة ليضع بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خانة واحدة. تتهم منظمات دولية هؤلاء بالإشراف على قتل مدنيين أو إساءة معاملتهم أو اختطافهم، بينما ينكرون جميعًا المسؤولية ويدّعون شرعية أفعالهم. ويشير تيسدال إلى أن نتنياهو يحاول تعطيل محاكمته الداخلية بدعوى “المصلحة الوطنية”، ويقاوم تحقيقًا مستقلًا في إخفاقات أمنية سبقت هجمات السابع من أكتوبر، كما يتفادى المساءلة الدولية بشأن غزة.

 

يرى التحليل أن لجوء نتنياهو إلى الحماية السياسية في واشنطن بدل المثول أمام القضاء الدولي يجسّد أثر الإفلات من العقاب. وفي غزة، يستمر الجوع والمعاناة بينما تُتخذ قرارات الحرب دون مساءلة فعالة. هكذا تتحول السلطة إلى درع يحجب العدالة.

 

نهاية حكم القانون.. حين تتشابه الدول والقراصنة

 

ينتقل المقال إلى الولايات المتحدة، حيث ينتقد الكاتب تبريرات استخدام القوة القاتلة خارج نطاق القضاء. يرفض تيسدال ادعاءات الشرعية المبنية على “معلومات استخباراتية” غير مُعلنة، ويصف الاستخفاف بالمحاسبة القضائية بأنه مسار نحو الفوضى. وعندما تتصرّف دولة عظمى بلا قيود، تتآكل القواعد التي تحفظ المجتمع الدولي، ويصبح السلوك شبيهًا بأفعال قراصنة أو جماعات مسلحة.

 

يربط الكاتب هذا المناخ بمحاولات حماية بوتين من المساءلة، وبالضغط على المحكمة الجنائية الدولية عبر العقوبات. ويتساءل عن المثال الذي تقدّمه واشنطن لحلفائها، وعن قدرة أوروبا وبريطانيا على الادعاء بوجود قيم مشتركة في ظل هذا النهج.

 

يختم تيسدال بتشبيه صادم: منفذو العنف الرسمي اليوم يشبهون الجنجويد الجدد. ويؤكد أن العدالة قد تتأخر، لكنها تظل ضرورة لا مفر منها. فالإفلات من العقاب ليس مجرد خلل قانوني، بل تهديد مباشر لفكرة القانون نفسها، ولن يستقيم العالم ما لم تُستعاد المحاسبة وتُكسر حصانة القوة.

 

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/dec/14/icc-sudan-militia-leader-putin-netanyahu-hegseth-international-law